الجلفة نيوز

السبت، 19 نوفمبر 2016

فخ "المحلل السياسي"

في ظل صمت القادة، يتحدث الجميع. وحينما تكون هناك فراغات في فهم المواقف أو عدم تفاعل الإعلام الوطني مع الأوضاع وغياب منهجية ومأسسة التعاطي مع الأزمات، تخرج الكثير من الأصوات التي تحاول ملء الفراغ إما بتحليلها للمواقف من مرجعيات وطنية، أو أن تتحرك المعارضات لبيان برامجها وأحقيتها السياسية بطرحها مشاريع لمواجهة الأزمات.
في الوقت الراهن لاحظنا ارتفاع أصوات كثيرة، حاولت أن تحل محل الخطاب الرسمي، وأن تعلل علو صوتها بخفوت صوت المسؤول الحريص على وطنه.

بعض هذه الأصوات لديها أجندات إقليمية، وعرف عنها تبعيتها لهذا النظام أو ذلك، وهي التي يمكن لنا تحليل خطابها بكل سهولة.

تتحدث بعض هذه الأصوات عن الهوان والضعف الذي تعانيه الأمة العربية، وفي نفس الوقت تتحدث عن قوة إيران ونصرها ونجاحها وفوزها، وأن العالم لا يعترف إلا بالقوي، لكن لا يكلف أي صوت نفسه تحليل مواطن قوة إيران، ولا ضعف العرب.

يغلب على هذا الخطاب الدعوة لتبني خط مذهبي عنيف مغموس في ماء التشدد والتطرف والكراهية، ينتفض وهو يخرج يده من وعاء النظريات السياسية الشوفينية ليلوح بها نحو المُغرّر بهم من أتباع الحركات الأصولية المتطرفة، فينتشي القوم ويسطرون على مواقع التواصل الاجتماعي جملاً موغلة في الدعوة لاتخاذ مواقف لا تختلف عن مواقف العدو، ويفزع الجمع، ويتوتر الناشطون، ويجتمع العملاء على مائدة الكراهية وكلهم جوع لتسطير الدعوات المتخلفة.

تمجد تلك الأصوات إحدى الدولتين الإقليميتين، إيران أو تركيا، مع تفرغ لنقد مباشر لمصر وقائدها، وغير مباشر لنظام وطنها عبر سرد الأدلة المصطنعة على ضعف دولته.


لا يغيب عنا أن الحديث عن تحالف مع دولة إقليمية كتركيا مثلا، وأننا في حاجة إليها، لا يعدو عن كونه حديث عن ضعف دولتنا.

وفي الحقيقة أن دولتنا هي التي تحتاجها تركيا وليس العكس، وأن المعركة ضد الإرهاب التي تدار من الأراضي التركية يقف فوقها جنودنا وطائراتنا وليس العكس، وأن تركيا تعيش حربا أهلية بينما وطننا توحده العزة والكرامة والمنعة، وأن تركيا تحفل بقواعد غربية بينما تخلو بلادنا منها، وأن تركيا صديقة لإيران وإسرائيل بينما دولتنا لا تقيم علاقة مع هاتين الدولتين.

فِهم هؤلاء لطبيعة إنشاء التحالفات مثيرة للسخرية فهم لا يفرقون بين التحالف، والائتلاف، واتفاقيات التعاون في علم السياسة فيدمجون هذه بتلك، دون مراعاة لماهية هذه المصطلحات.

حينما يتحدث المحلل السياسي "العربي" عن قوة إيران، ينسى أنها ليست قوية إلا بعملائها، وأن قواتها لا تعدو عن كونها عصابات مسلحة وتهويل إعلامي وانتفاخ يعترف به أي خبير عسكري.

لو قبلنا بما يقوله هؤلاء "المحللون" إخوانيو الهوى، بأن علينا أن نحذو حذو إيران في سياساتها، فهل يعتقد أن علينا أن نربي ونمول وندعم عصابات سنية متخلفة تحبو على ركبها خدمة لولي الفقيه السني؟

هل يريدون أن نقارع الإرهاب بالإرهاب، ونواجه التخلف بتخلف أكثر؟ هذا بدلا من الدعوة إلى إنجاز الدولة المدنية المتحضرة والسمو للأعلى.

يريدون منا أن نخفض سقف طموحنا لنقارن بإيران في تخلفها ورجعيتها، وأن نصبح مثلها كل مقدرات وطننا تذهب لحرسنا الثوري بينما تبيع الأمهات أطفالهن في الشوارع، و أن نعلق الشيعة من مواطنينا على المشانق بدلا من أن نمنحهم حقوقهم كمواطنين كغيرهم.

يريد هؤلاء، بتفكيرهم الإخواني الديماغوجي، أن ندعم عصابة إرهابية تقتل الأبرياء تحت مسمى المقاومة السنية، وأن يفتخر لبناني بعمالته لنا وندعمه لبناء عصابة صفراء ونسلحه ضد شعبه ونقيم دولة عسكرية كاملة داخل دولة عربية أخرى.

يريدوننا متطرفين مثلهم، متخلفين، لا تنمية لدينا سوى تلك التي تبني الأحقاد، وتعمي الأعين، وتحاسب الناس على نواياهم، وحتى كل ساحاتنا العلمية وكلياتها مخصصة لدعم رطانة الولي الفقيه الذي يريد دولة عسكرية لديها مشروع ديني يقاتل العالم.

 هؤلاء الذين يملأون فراغا تركه المسؤولون والعقلاء لا يرفعون صوتهم حبا في الوطن ولا في عزة دولنا بل هو استسلام اليائس الذي يريد خدمة مشروع سيده الشعبوي الذي يحلم باستعادة امبراطورية أجداده العثمانية أو من شابهه من رعاة التشدد والتطرف لأغراض سياسية انتهازية.

الجميع يعرف أننا في المنطقة نقع بين ثلاث قوى إقليمية مهمة، اسرائيل، إيران، تركيا. لكل منها أطماع، وأحلام وصراع تاريخي مع العرب كأمة كانت واحدة.

في الوقت الراهن لكل دولة من هذه الدول مشروعها، وأيضا لكل منها عملاؤها، وجنودها في مختلف الحقول.

وفي عصر تهز فيه القلاقل الدول العربية، وتسقط بعضها في وحل الفرقة والاقتتال الداخلي والحروب الأهلية الضروس، يسيل لعاب هذه الدول لافتراس غنيمة.

قد لا تجد اسرائيل نفسها في وضع يسمح لها بالتوسع، لكن بالنسبة لها الفرقة والضعف في الدول المحيطة بها يصنع لها وضعاً استراتيجياً أمنياً جيداً.

وفي حالة دول كإيران وتركيا، فالوضع رائع ومناسبة مهمة للتوسع الجغرافي، وكلما ازداد إنهاك العرب كلما زادت الشهية الإيرانية، والتركية.

إذًا ماذا على العملاء فعله كي يتحقق المشروع؟ عليهم أن يزيدوا من الجراح والنزيف الذي يسهم في الإضعاف والتفتيت والتقسيم، والإصطفاف الطائفي، وحين تعمل أجهزة عميلة ومنظمات وعصابات وتنظيمات مشبوهة على عون المشاريع المضادة للعرب فعلينا التنبه لها جيدا.

الحديث عن التعايش المشترك في المنطقة هو الحديث المنطقي الوحيد، لكن لا يمكنك أن تقف صامتا في ظل المشاريع المتخلفة الإيدولوجية التي تقاتله، ولا يجب أن يكون سلاحك مثلها، بل عليك تقوية نفسك بالنظر للأعلى.

يجب أن يعتمد مشروعك الوطني على التنمية والقوة مع بعضهما البعض. لن تعيش هذه المنطقة في سلام إلا بتخليها عن كل تلك المشاريع المعتمدة على عصابات الإسلام السياسي، سنية كانت أو شيعية، ولنا في تجربة أردوغان مثالا واضحا.

فقد ذاق الرجل ما ذاقه من هذه الحركات التي كادت أن تذهب بتركيا الى انهيار تجربتها الديمقراطية، ولعل في هذه المناسبة التذكير بأن هؤلاء "المحللون" يحذروننا من شعبوية ترامب ويتجاهلون أن أفضل مثال للشعبوية يتمثل في معشوقهم أردوغان.

في النهاية، أبق كما أنت، معززا قوة جيشك، ومنميا لاقتصادك، وناشرا للوعي الوطني، ومقاتلا شرسا ضد الإرهاب والتشدد والتطرف.

لن ينفعك ذلك الذي يخدم استراتيجية غير عربية، ذلك الذي يتهم وطنييك بتهمة عشقهم لوطنهم، ذلك الذي يعمل في حرس الخليفة المنتظر، أو ذلك الذي لا يعدو عن كونه مسمارا يطرق به ولي الفقيه نعش العروبة.
عن مدير الموقع :

يسعدنا تفاعلكم بالتعليق، لكن يرجى مراعاة الشروط التالية لضمان نشر التعليق
1أن يكون التعليق خاص بمحتوى التدوينة
2أن لا تضع أي روابط خارجية
3لإضافة كود حوله أولاً بمحول الأكواد
3للتبليغ عن رابط لا يعمل او مشكل في الموقع من هنا الطلب
4لطلب خدمة التبادل الاعلاني المطور من هنا